دأب
التربويون منذ القدم على استخدام النشاط خارج الحجرة الصفية كوسيلة للتعلم تخرج
الطالب من مناخ الدراسة الرتيب، إلى مناخ أكثر جاذبية وحركة، فينتج عن ذلك اكتساب
المهارات والمعرفة بطريقة غير مباشرة، ومنذ أن أصبحت الموهبة مجالا للبحث والدراسة
في بداية القرن التاسع عشر، برز النشاط اللاصفي كإحدى الوسائل التي تعين على كشفها
ورعايتها. أمارس مع الطلاب في المدارس العديد من الأنشطة التي ليست لها علاقة
بالمنهج، ونفعل ذلك في جو من الحرية المقننة بحيث يجد الطالب مجالا للتعبير عن
أفكاره وخواطره وهواجسه دون الإحساس بالرقابة التي يفرضها المعلم في الصف أو الأب
في المنزل. كما نمارس سويا كسب المهارات التي تلزمنا جميعا حتى نتمكن من التعامل
مع متطلبات العصر الذي نعيش فيه. وعندما سألت طلابي ذات يوم عن الذي تعلموه في هذه
اللقاءات كانت الإجابات كالتالي: (تعلمت طرقا حسابية جديدة، وقرأت قصصا حلوة،
وشغلت هذا المخ، ركزت شوية ومخي استفاد من التركيز، تعلمت لما أركز مخي يشتغل،
عقلي كبر). ولما سألت الطلاب، عن ماذا يريدون أن يتضمن برنامج العام القادم قالوا:
(تجارب في العلوم ومشاريع علمية، نفكك جهاز الكمبيوتر ونركبه، نقرأ في التاريخ،
نكتب قصصا، وبعضهم قال نكتب شعرا، نقوم برحلات مثيرة). لقد أدرك هؤلاء الطلاب أن
الإبداع لا يمكن أن يتحقق إلا بالاطلاع والمطالعة (عن طريق القراءة)، والعمق في
التفكير (عن طريق حل المشكلات)، والرغبة في المخاطرة (عن طريق التجربة).
لدي قناعة راسخة حول مسؤولية المجتمع عن توفير
البرامج خارج المدرسة، والتي تعين أبناءه على التعلم، وكشف مواهبهم ورعايتها. أولمبياد الموهبة والإبداع، الذي ختم قبل أيام عامه السابع أحد هذه البرامج.
بدأت فعاليات أولمبياد الموهبة والإبداع في عام 2007م في مدارس دار الذكر للبنين
بمدينة جدة، بمسابقة للتصوير الفوتوغرافي بشكل إبداعي بمسمى بعيون يافعة، ثم تطورت
فكرة المسابقات حتى أصبحت أحد مشاريع وقف الوالد الشيخ عبدالجليل بترجي (رحمه
الله)، ودروب البركة، وهما وقفان خيريان؛ لدعم التعليم. أولمبياد الموهبة والإبداع
ترجمة عملية لما سطر في أدبيات فهم الذات والتعبير عنها، والكشف عن الموهبة، فهو
دعم لما أثبتته الدراسات عن الأثر الإيجابي للأنشطة الطلابية خارج المحتوى المدرسي
على المحصلة التعليمية لهم. ورسالة الأولمبياد هي إثراء المجتمع بفعاليات تستثير
قدرات طلاب وطالبات التعليم العام، بحيث تحفزهم على اكتشاف ذاتهم وتطوير قدراتهم
الإبداعية في التعبير عنها، واكتشاف الموهوبين منهم وتوجيههم.منذ الأيام الأول
لميلاد الأولمبياد، خطط له ليكون فرصة تنافسية مبدعة لطلاب وطالبات التعليم العام،
ولخوض ميادين الموهبة والإبداع بمعايير عالمية وثقافة محلية، وأن تكون علمية
البناء، وعملية التطبيق، متدرجة التطور، واضحة المعالم؛ فلا توسع أفقيا أو رأسيا،
إلا بالتدرج وفق وضوح كامل للخطى والمسار. يتكون الأولمبياد من خمس بطولات لها هدف
واحد وطرائق مختلفة، لتحقيق الهدف. تخاطب كل فئة بما يناسب قدراتها واهتماماتها.
ولدت البطولة الأولى بمسمى بعيون يافعة في عام 2007م، وفي العام الجاري تقدم
للمجتمع للمرة السادسة. تهتم هذه البطولة بكشف موهبة التصوير الفوتوغرافي وتطوير
ملكة الملاحظة الهادفة لما يحيط بنا في المجتمع. وولدت البطولة الثانية بمسمى ذاكرتي حديد في عام 2008م، وفي العام الحالي تقدم للمجتمع للمرة السادسة كذلك.
تهتم هذه البطولة باكتشاف قدرة الذاكرة القصيرة المدى للمشارك، وهي من أكثر
البطولات رواجا. أما البطولة الثالثة فقد بدأت في عام 2010 بمسمى القراءة
السريعة، وهي تقدم للمجتمع للمرة الرابعة في هذا العام وتهتم باكتشاف وتطوير
أدوات القراءة السريعة الواعية لأفراد المجتمع. البطولة الرابعة الحساب الذهني
ولدت في عام 2009م، وتقدم للمرة الخامسة في هذا العام، وتهتم باكتشاف وتطوير
القدرات العقلية للحساب الذي يستخدم الورقة والقلم فقط. البطولة الخامسة عبر،
ولدت في عام 2012م، وفي العام الحالي تقدم للمجتمع للمرة الثانية، وتهتم باكتشاف
وتطوير القدرات التعبيرية وفق وسائل الفيديو الحديثة. توسع الأولمبياد جغرافيا هذا
العام ليشمل -بالإضافة إلى محافظة جدة- كلا من منطقة عسير ومحافظة رابغ. وكان
إجمالي المشاركين من طلاب التعليم العام ما يزيد على 15 ألف طالب وطالبة، ليصبح
إجمالي المشاركين على مدى السنوات السبع ما يزيد على 45 ألف طالب وطالبة. كما بلغ
عدد المواهب المكتشفة في مجالات الأولمبياد الخمسة ما يقارب 500 موهوب. يعتبر هذا
النوع من النشاط في رأي خبراء التربية عموما -والموهبة والإبداع خصوصا- رافدا مهما
للتعلم ولكشف الموهبة ورعايتها. كما يعتبر هؤلاء الخبراء أن تكاتف المجتمع نحو
توفير المناخ المناسب للقدرات الفردية لأبنائه في الظهور مسؤولية اجتماعية يستفيد
من نتائجها جميع أفراد المجتمع
عادل بترجي