تلاميذ يقطعون الوديان حفاة للوصول إلى مدارسهم
"البؤساء" .. في الجزائر العميقة
لا فائدة من الحديث عن الإصلاحات التربوية في ظل هذه المشاهد
لم تعرف
الإصلاحات التربوية طريقا للتجسيد على المستوى البيداغوجي الذي خلف جيلا
يسعى للنجاح بدون عقبات، وأساتذة يوظفون دون أدنى شروط التكوين، ولا على
مستوى التجهيزات، إذ مازالت المدارس والهياكل التربوية تعاني نقصا فادحا في
التهيئة الداخلية وأجهزة التدفئة، أو حتى وسائل النقل في المناطق
الداخلية، التي تبعد عشرات الكيلومترات عن مقرات سكن المتمدرسين.
وإذا كان النقل من مهام مصالح الجماعات المحلية، غير أن جمعيات أولياء التلاميذ ومصالح مديريات التربية، لها من المسؤولية نصيب، بالنظر إلى عدم تكفلهم بواجباتهم حيال أجيال المستقبل، فمازال استعمال الدواب في المناطق الداخلية للنقل مستمرا، وتواصل التغيرات الجوية سيطرتها على تسيير استمرارية التمدرس في مختلف المناطق، فيكفي فقط أن تتساقط كميات من الأمطار أو الثلوج، أو تهب رياح، حتى يؤجل التلاميذ التحاقهم بالمدارس لأيام، إن لم نقل أسابيع، وذلك لغياب التكفل المحلي بمشاكل النقل، التي تعد ضرورة قصوى لتمكين المتمدرسين من الوصول سالمين غانمين إلى المدارس، وهنا يطرح مشكل آخر، هو مشكل التدفئة بالأقسام، إذ تحصي مديريات التربية عشرات المدارس التي تغيب عنها التدفئة، رغم الجو القارس البرودة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، وقفت "الشروق" على ظاهرة فريدة من نوعها بولاية سكيكدة، حيث يعاني تلاميذ قرية أحمد سالم بكركرة بولاية سكيكدة منذ إنجاز متوسطتهم، من مخاطر الموت غرقا، فهم مجبرون على خلع أحذيتهم أربع مرات في اليوم لاجتياز واد قبلي، للوصول إلى متوسطة بورغيدة المتواجدة في الجهة المعاكسة لمساكنهم، لبلوغ المتوسطة التي تم إنجازها سنة 1993، وسط مخاطر لا تعد ولا تحصى، منها فيضان وادي قبلي الذي زاد في معاناتهم جراء غياب جسر للراجلين يستعملونه للوصول إلى المتوسطة.
ويضطر التلاميذ في ظل البرد القارس صباحا ومساء، إلى نزع أحذيتهم أربع مرات في اليوم، لعبور الوادي لتفادي مياهه التي أصبحت تؤرقهم، خاصة ونحن في عز فصل الشتاء، وذكر التلاميذ لـ"الشروق"، بأنه سبق لزملائهم أن سقطوا في الوادي، وأبدى الأولياء استياءهم من هذه الوضعية التي طالت مدتها، خاصة وأنهم قاموا في عدة مرات بالاتصال بمختلف الجهات للتكفل بهذا الانشغال الذي أرق إدارة المتوسطة أيضا.
ويضطر التلاميذ في حال فيضان الوادي للدخول في عطلة، ورغم علم السلطات المحلية بالمشكل، إلا أنها لم تفكر في إدراج مشروع لإنجاز جسر للراجلين في مشاريعها المستقبلية، ما يعني أن المشكلة مازال عمرها طويلا، ومعاناة 700 تلميذ بـ 16 حجرة مدرسية سيبقى متواصلا.
وبالشرق الجزائري، عزلت الثلوج والأمطار الغزيرة التي تساقطت خلال الأيام القليلة الماضية بإقليم ولاية بجاية، سطيف، تيزي وزو، ڤالمة، خنشلة، سعيدة، مجموعة كبيرة من البلديات الريفية عن العالم الخارجي، حيث تسببت العاصفة الثلجية في قطع العديد من الطرقات الوطنية والولائية، ومختلف المسالك المؤدية إلى المناطق الريفية والجبلية، جراء كثافة الثلوج التي بلغ سمكها 40 سنتمترا، وهو الشأن ذاته بالنسبة للوسط والغرب، إذ مازالت تبعات تساقط الثلوج تلقي بظلالها على الحياة اليومية للمواطنين بولاية المدية وتيسمسيلت، ومن خلالها، على التلاميذ المتمدرسين الذين قاطعوا الدراسة، بفعل غياب أو انعدام التدفئة داخل الأقسام التي طالها البرد، وتحولت إلى ثلاجات، حيث لجأ أولياء التلاميذ إلى منع أبنائهم من التوجه إلى مقاعد الدراسة، إلى غاية استجابة السلطات إلى مطالب أبنائهم، الذين يدرسون في قاعات باردة، أثرت سلبا على صحتهم، وهي الفكرة التي لقيت مساندة قوية من طرف الأساتذة، الذين استاءوا بدورهم من الوضعية المعاشة بمختلف المدارس، والتي تؤثر سلبا على المحصول الدراسي للتلاميذ، وحمّل أولياء التلاميذ المسؤولية الكاملة لرؤساء البلديات، الذين لم يقوموا بعمليات التصليح على مستوى المدارس الابتدائية وتزويدها بمختلف الوسائل البيداغوجية، وبالخصوص كل ما يتعلق بالتدفئة، وهي الظاهرة التي تتكرر في فصل الشتاء من كل سنة، في وقت لا يولي المنتخبون المحليون أي اهتمام لمعاناة التلاميذ المتمدرسين، الذين يضطرون لمقاطعة الدراسة إلى غاية تحسن الأحوال الجوية في كل موسم.